إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

الشاعر و الملك الجائر- إيليا أبو ماضى

القصيده دى بتحكى قصه جميله اوى اسيبكم معاها


1

أمر السلطان بالشاعر يوما فأتاه
في كساء حائل الصّبغة واه جانباه
و حذاء أوشكت تفلت منه قدماه
قال : صف جاهي ، ففي وصفك لي للشعر جاه
إنّ لي القصر الذي لا تبلغ الطير ذراه
و لي الروض الذي يعبق بالمسك ثراه
و لي الجبش الذي ترشح بالموت ظباه
و لي الغابات و الشمذ الرواسي و المياه
و لي الناس ... و بؤس الناس منّي و الرفاه
إنّ هذا الكون ملكي ، أنا في الكون إله !

2
ضحك الشاعر ممّا سمعته أذناه
و تمنّى إنّ يداجي فعصته شفتاه
قال: إنّي لا أرى كما أنت تراه
إنّ ملكي قد طوى ملكك عنّي و محاه

* * *
آلقصر ينبيء عن مهارة شاعر
لبق ، و يخبر بعده عنّكا
هو للألى يدرون كنه جماله
فإذا مضوا فكأنّه دكّا
ستزول أنت و لا يزول جلاله
كالفلك تبقى ، إن خلت ، فلكا

* * *
و الرّوض ؟ إنّ الروض صنعه شاعر
سمح ، طروب ، رائق ، جزل
وشّى حواشيه وزيّن أرضه
بروائع الألوان و الظلّ
لفراشة تحيا له ، و لنحلة
تحيا به ، و لشاعر مثلي !
و لديمة تذري عليه دموعها
كيما تقيه غوائل المحل
و لبلبل غرد يساجل بلبلا
غردا ، و للنسمات و الطلّ
فإذا مضى زمن الربيع أضعته
و أقام في قلبي و في عقلي !

* * *
و الجيش معقود لواؤك فوقه
ما دمت تكسوه و تطعمه
للخبز طاعته و حسن ولائه
هو " لاته " الكبرى و " برهمه "
فإذا يجوع بظلّ عرشك ليلة
فهو الذي بيديه يحطّمه
لك منه أسيفه ، و لكن في غد
لسواك أسيفه و أسهمه
أتراه سار إلى الوغى متعلّلا
لولا الذي الشعراء تنظمه ؟
و إذا ترنّم هل بغير قصيدة
من شاعر مثلي ترنّمه ؟

***
و البحر ، قد ظفرت يداك بدرّه
و حصاه ، لكن هل ملكت هديره ؟
هو للدجى يلقي عليه خشوعه
و الصّبح يسكب ، و هو يضحك ، نوره
أمرجت أنت مياهه ؟ أصبغت أنت
رماله ؟ أجبلت أنت صخوره؟
هو للرياح تهزّه و تثيره
و الشهب تسمع في الظلام زئيره
للطير هائمة به مفتونة
لا للذين يروّعون طيوره
للشاعر المفتون يخلق لاهيا
من موجة حورا و يعشق حوره
و لمن فيه رمز كيانه
و لمن يجيد لغيره تصويره
يا من يصيد الدرّ من أعماقه
أخذت يداك من الجليل حقيره
لا تدّعيه ...
فليس يملك ، إنّه كالرّوض جهدك أن تشمّ عبيره

* * *
و مررت بالجبل الأشمّ فما زوى
عنّي محاسنه و لست أميرا
و مررت أنت فما رأيت صخوره
ضحكت و لا رقصت لديك حبورا
و لقد نقلت لنملة ما تدّعي
فتعجّبت ، ممّا حكيت ، كثيرا
قالت : صديقك ما يكون ؟ أقشعما
أو أرقما ؟ أم ضيغما هيصورا ؟
أيحوك مثل العنكبوت بيوته
حوكا ؟ و يبني كالنسور و كورا ؟
هل يملأ الأعوار تبرا كالضّحى
و يردّ كالغيث الموات نضيرا ؟
أيلفّ كاللّيل الأباطح و الرّبى
و المنزل المعمور و المهجورا ؟
فأجبتها : كلا ! فقالت : سمّه
في غير خوف " كائنا مغرورا ! "

3
فاحتدم السّلطان أيّ احتدام
و لاح حبّ البطش في مقلتيه
وصاح بالجلاد : هات الحسام !
فأسرع الجلّاد يسعى إليه

فقال: دحرج رأس هذا الغلام
فرأسه عبء على منكبيه

* * *
قد طبع السّيف لحزّ الرّقاب
و هذه رقبة ثرثار
أقتله ...و اطرح جسمه للكلاب
و لتذهب الروح إلى النّار

***
سمعا و طوعا ، سيّدي !
.. و انتضى
عضبا يموج الموت في شفرتيه
و لم يكن إلاّ كبرق أضا
حتّى أطار الرأس عن منكبيه
فسقط الشاعر معرورضا
يخدّش الأرض بكلتا يديه
كأنّما يبحث عن رأسه
فاستضحك السلطان من سجدته
ثمّ استوى يهمس في نفسه
" ذو جنّة " أمسى بلا جنّته

* * *
أجل ، هكذا هلك الشاعر
كما يهلك الآثم المذنب
فما غضّ في روضة طائر
و لم ينطفيء في السّما كوكب
و لا جزع الشّجر الناضر
و لا اكتأب المطرب
و كوفيء عن قتله القاتل
بمال جزيل وخدّ أسيل
فقال له خلقه السّافل :
ألا ليت لي كلّ يوم قتيل !

4
في ليلة طامسة الأنجم
تسلّل الموت إلى القصر
بين حراب الجند و الأسهم
و الأسيف الهنديّة الحمر
إلى سرير الملك الأعظم
إلى أمير البرّ و البحر !!
ففارق الدنيا و لمّا تزل
فيها خمور و أغاريد
فلم يمد حزنا عليه الجبل
و لا ذوى في الرّوض أملود

5
في حومة الموت و ظلّ البلى
قد التقى السّلطان و الشاعر
هذا بلا مجد ، و هذا بلا
ذلّ ، فلا باغ و لا ثائر
عانقت الأسمال تلك الحلى
واصطحب المقهور و القاهر

*
لا يجزع الشاعر أن يقتلا
ليس وراء القبر سيف و رمح
و لا يبالي ذاك أن يعذلا
سيّان عند الميّت ذمّ و مدح

6
و توالت الأجيال تطّرد
جيل يغيب و آخر يفد
أخنت على القصر المنيف فلا
الجدران قائمة و لا العمد
و مشت على الجيش الكثيف فلا
خيل مسوّمة و لا زرد
ذهبت بمن صلحوا و من فسدوا
و مضت بمن تعسوا و من سعدوا
و بمن أذاب الحبّ مهجته
و بمن تأكّل قلبه الحسد
و طوت ملوكا ما لهم عدد
فكأنّهم في الأرض ما وجدوا
و الشاعر المقتول باقية
أقواله فكأنّها الأبد
ألشيخ يلمس في جوانبها
صور الهوى و الحكمة الولد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق